الحكومة منعت عرضه: فيلم سوري يعاود الظهور
بن كينغسبيرغ- نيويورك تايمز
Wednesday, 15-Jan-2025 06:17

«نجوم النهار»، الذي يضمّ شخصية استبدادية تشبه إلى حَدٍّ كبير حافظ الأسد، عُرض رسمياً مرّة واحدة فقط في دمشق. الآن رُمِّمَ. من فندق في دمشق، كان المخرج السوري أسامة محمد يحاول وصف المشهد من نافذة غرفته، وأكّد أنّه يستطيع رؤية جبل قاسيون المُطلّ على المدينة، وأيضاً القصر الرئاسي: «حيث يقضي الشخص الجديد وقته الآن». كان المساء هناك، ويسمع أصوات مئة مسجد في الصلاة.

هو وزوجته، مغنية الأوبرا نوما عمران، «لسنا من أهل الدين»، لكنّ الصوت يُحرّك مشاعرهما: «الأمر ليس فقط كلمات الصلاة. اللحن نفسه يأتي من ثقافة عميقة جداً، من سوريا متعدّدة الثقافات، من سوريا ما قبل التاريخ».

منذ عام 2011، كانا يعيشان في المنفى في باريس. وبعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول، أكّد محمد أنّ زوجته أقنعته بالذهاب إلى هناك مباشرة وتعجّب: «التوقيت مذهل ببساطة».

من الناحية التقنية، كنا نتحدّث عبر الهاتف لمناقشة الترميم الجديد لفيلم «نجوم النهار»، أول فيلم روائي طويل له عام 1988 وسيُعرض ضمن برنامج To Save and Project، للحفاظ على الأفلام في متحف الفن الحديث 28 كانون الثاني.

إنّ عودة الفيلم إلى الساحة الآن محض صدفة. فقد عُرِضت النسخة المرمّمة لأول مرّة في مهرجان السينما الكلاسيكية في بولونيا في حزيران، في وقت لم يكن أحد يعلم أنّ بشار الأسد سيفقد السلطة. وبالمصادفة، يُقدّم «نجوم النهار» تعليقاً لاذعاً على والده وسلفه، حافظ الأسد، الذي توفّيَ عام 2000. وقد لاحظ أكثر من مشاهد تشابهاً بين الزعيم السابق ونجم الفيلم.

تدور أحداث الفيلم حول العلاقات المعقّدة لعائلة كبيرة، عائلة الغزي. خالد (عبد اللطيف عبد الحميد)، الأكثر استبداداً في العائلة - الذي يبدو شكله شبيهاً بحافظ الأسد - يحاول ترتيب زيجات لأخوَيه لزيادة ممتلكات العائلة من الأراضي. وبعد أن تهرب إحدى العرائس من الزواج المزدوج، يُصبح طغيانه أكثر وضوحاً.

عندما تعيش تحت حكم ديكتاتوري، أوضح محمد، فأنتَ لستَ الكاتب الوحيد لفيلمك: «الأسد هو المؤلف المشارك. إنّه على كتفك يكتب معكَ. أخذته من كتفي ورأيته داخل الإطار».

مع ذلك، أوضح أنّ اهتمامه لم يكن بإهانة الأسد بل استكشاف ما رآه كالعقلية المشوّهة التي سيطرت على سوريا تحت حكمه: «الأمر يتعلّق بالتشوّه النفسي والعقلي الذي يُصيب الفرد تحت الديكتاتورية».

عُرض الفيلم لأول مرّة في حفل خاص بدعوة للكتّاب والمثقفين والفنانين في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، لكن كان أقرب ما يمكن اعتباره عرضاً عاماً لفيلم «نجوم النهار» في سوريا. لم يُسمح بعرضه في دور السينما السورية، بل اقتصر عرضه على المحافل الدولية مثل برنامج «أسبوع المخرجين» في مهرجان كان.

سمع محمد أنّ حافظ الأسد نفسه شاهد الفيلم بشكل خاص، لكنّه شدّد على أنّ المعلومات كانت عبر مصادر غير مباشرة. وأوضح إنّ «نجوم النهار» اكتسب سمعة تحت الأرض في سوريا، وكان يمكن العثور عليه في نسخ مقرصنة. أرسل له صديق صورة لملصق الفيلم معلَّقاً في بار في دمشق، واعتبر أنّ «هذا الجيل الذي يبحث عن الفن والمسرح والموسيقى، يعرف الفيلم الذي أهان الأسد ومنعه الأسد، يكفي أن تكون مشهوراً».

لكن لم تتوفّر نسخة عالية الجودة في أي مكان. عندما عُرِضَ الفيلم في نيويورك عام 2006 في مركز لينكولن، عُرض من شريط فيديو؛ وفي عام 2017، عرضه متحف الفن الحديث من ملف رقمي. وأوضحت تشيشليا تشنشاريلي، رئيسة قسم البحث والمشاريع الخاصة في مؤسسة السينما في بولونيا، أنّه كان واحداً من أكثر الأفلام تحدّياً التي رمّمتها المنظمة بالتعاون مع مشروع السينما العالمية، وهي مبادرة من مؤسسة مارتن سكورسيزي للحفاظ على الأفلام من دول هُمِّشت في تاريخ السينما الغربية.

في البداية، لم يكن واضحاً ما إذا كانت هناك نسخة مؤهلة للترميم. كان لدى محمد نسخة مودعة في أرشيف السينماتيك الفرنسي، لكنّها كانت في حالة سيئة؛ كما عثرت تشنشاريلي على نُسَخ بترجمة إسبانية، لكنّ الترجمات ستكون عقبة في عملية الترميم.

ثم تذكّر محمد أنّ الفيلم عُرض على التلفزيون الألماني في التسعينات، في وقت كانت محطات التلفزيون تستخدم نُسَخاً بقياس 35 ملم للبَث. فبحثت تشنشاريلي في الأدلة التلفزيونية القديمة، واستعانت بـ»ترجمة غوغل» للعثور على تطابق. لكنّ المحطة أخبرتها أنّ النسخة كانت مدبلجة بالتركية: «هناك مجتمع تركي كبير جداً في ألمانيا». كانت تأمل أن يكون التصنيف خاطئاً. وبالفعل، كانت المحطة تحتفظ بنسخة أصلية بحالة ممتازة.

العقبة الأخرى كانت حقوق الفيلم. إذ إنّ التواصل مع المؤسسة العامة للسينما في سوريا كان غير مجدٍ. لحسن الحظ، احتفظ محمد بحقوق العرض غير التجاري، ما يعني أنّ النسخة المرمّمة يمكن عرضها دائماً في مهرجانات مثل To Save and Project، حتى وإن لم يكن بالإمكان طرحها تجارياً.

لكن الآن، مع إطاحة الأسد الابن، ربما يمكن عرض الفيلم على نطاق أوسع. ويُفكّر محمد في عرضه في سوريا لأنّ الناس يسألونه يومياً عن عروض الفيلم.

اعترف محمد بأنّ الوقت الراهن متوتر في سوريا، لكنّه تحدّث أيضاً عن «انفجار التعبير والخيال» مع زوال نظام الأسد: «إذا استقلّيت 5 سيارات أجرة في اليوم، ستسمع اكتشافات مذهلة. المتعة الرئيسة هي عندما تمشي في السوق الشعبي وترى رجلاً يبلغ من العمر 60 أو 70 عاماً يعمل هناك منذ بداية التاريخ».

هو ونوما عمران موجودان هناك بشكل موقت الآن - شقتهما في دمشق، التي كانت تحت رعاية حارس، تحمل آثار «14 عاماً من الغبار والفراغ» كما الآلاف من السوريّين الآخرين الذين غادروا، عادوا ليشهدوا هذه اللحظة.

وأضاف أنّ هناك شيئاً في الأمر لا يبدو حقيقياً تماماً: «هذا ليس طبيعياً، هذا هو الشعور. يُشبه الأمر كونك جزءاً من فيلم، والفيلم مختلف تماماً».

الأكثر قراءة